وقفات في حكم خدمة المرأة لزوجها
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فهذه مجموعة تغريدات كتبتها على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) حول مسألة حكم خدمة الزوجة لزوجها، أحببت من خلالها تحرير محل النزاع وتقريب صورة المسألة وتوضيح أهم أبعادها تقربًا لربي في بيان الحق والمساهمة في معرفة كلا الزوجين لما له وما عليه لتسود المودة والرحمة بينهما، وقطع دابر الخلاف ما أمكن.
ثم رأى بعض الأحبة جمعها ونشرها والإضافة عليها وتعديلها فيما يشبه المقال ونشرها في موقعي على شبكة الإنترنت لتعمَّ بها الفائدة فأجبته لطلبه الكريم، ومثله لا يرد غالبًا.
واللهَ تعالى أسألُ أن يرزقنا وجميع المسلمين العلم النافع والعمل الصالح والخلق الحميد، ويجعل ما نقدمه لوجهه الكريم.
أقول وبالله التوفيق:
(١) خدمة المرأة لزوجها لم يرد (بها وفيها) نصٌّ خاصٌ وصريحٌ من الكتاب وصحيح السنة لذاتها لا إيجابًا ولا استحبابًا، لا أمرًا ولا ترغيبًا.
وعلى هذا فلو منع الزوج امرأته من خدمته كالطبخ والغسيل ليريحها أو لتتفرغ أكثر له أو لدراستها أو لتركز أكثر على أبنائه أو لأي غرض في نفسه، أو هي طلبت ذلك منه ووافقها برضىً حقيقي منه فلا شيء عليها أبدًا، ورايتها بيضاء شرعًا وعرفًا.
(٢) لكن خدمة المرأة لزوجها تدخل ضمن عموم الأدلة الشرعية وإطلاقها في وجوب طاعته وتحقيق مرضاته وبذل الوسع لكسب قلبه.
وهي أدلة كثيرة ومستفيضة منها قول الله تعالى {الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}.
وقال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: (والذي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو كنتُ آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها) رواه الترمذي وهو حديث صحيح، وذكر (السجود) ههنا فيه إشارة لغاية الطاعة والانقياد، وهو أرفع من الخدمة بكثير.
وقال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:
(إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصّنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبوابها شئتِ) رواه ابن حبان وغيره.
فالزوجة العاقلة لن تفرط في جنة النعيم التي عرضها السموات والأرض.
وعلى هذا فلو أمر الزوج امرأته بخدمته لوجبت عليها بموجب هذا الأمر منه لها ديانةً في رقبتها لله ثم مروءةً وإكرامًا للزوج كما لو أمرها بأي أمر مباح في أصله كلبس لون معين مثلًا، بل الخدمة أولى وأوجب.
(٣) رفض الزوجة خدمة زوجها بعد ما يأمرها بها صراحةً هو من عصيان الله تعالى أولًا لعصيانها أمر زوجها الواجب، وهو من النشوز عن طاعته والتمرد عليه، وتستحق بذلك عدلًا من الله تعالى ما ورد في الوحيين الشريفين من وعيد شديد لمن أغضبت زوجها؛ كاللعنة المتتابعة عليها من ملائكة الرحمن، وغضب الله الملك الديّان عليها، مع ما قد يترتب على ذلك من عقوبات في الدنيا كفقدان المودة والرحمة وكثرة الخلافات بينهما، وكرهه لها، بل قد يصل الأمر بهذه المرأة أن تفقد نعمةَ كونها متزوجة في وقت تتمنى الآلاف من بنات حواء ولو ربع زوج، فترجع إلى بيت والدها مطلقة ومنبوذة ممن حولها، وربما لو تزوجت بعد ذلك تجد من الذل والمهانة مع زوجها الجديد ما لم يخطر لها على بال، والديون قد تؤجل لكنها تسدد لا محالة.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر زوجها وهي لا تستغني عنه) رواه النسائي وغيره.
وهي عقوبة فظيعة للزوجة لعدم شكرها لزوجها، ومن قصرت في الخدمة الواجبة له بعد أمره لها فمن باب أولى أن تقصر في الشكر له، وهي أرفع مرتبة، علمًا أن من تمام شكر المرأة لزوجها خدمتها له، كما قال تعالى: {اعملوا آل داود شكرا}، فشكر العمل والجوارح أبلغ من شكر اللسان.
(٤) الزوجة الصالحة العاقلة التي تتقرب لربها بزواجها وهدفها جنات الفردوس ستتعامل مع زوجها بأنه إما باب إلى الجنة بطاعته وتحقيق مرضاته بالمعروف ما أمكنها أو باب إلى نار جهنم بخلاف ذلك، وخدمته من مرضاته في حالة ما لو أمرها بذلك كما تقدم.
وكم من امرأة اتقت ربها في زوجها وجعلته جسرًا عبرت به إلى الجنة وربما سقط هو في النار لأنها أدت له ما عليها وهو قصّر في حقها، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملًا، فاطمئني أيتها الزوجة الصالحة.
(٥) عقد الزواج فيه واجبات مشتركة بين الزوجين؛ ففي مقابل طاعتها له وحرصها على تحقيق رضاه وراحته؛ ومن ذلك خدمته لو أمر بها، فهو مطالب كذلك برعايتها والإنفاق عليها وإسكانها وتطبيبها وحفظها، بل والموت دفاعًا عنها، والإحسان إليها وتقوى الله فيها واستشعار فضلها واحترامها وأنها أمانة غالية كريمة في ذمته سيسأله الله عنها.
وليس المقام ههنا لبيان حقوق الزوجة على زوجها، ولعله يفرد في مقال مستقل، وياااااا ويل الزوج من ربه لو ضيع حقوق زوجته وفرط في الأمانة.
ولهذا كانت المرأة العربية العاقلة – حتى قبل ظهور الإسلام – توصي ابنتها قائلة لها:
(كوني له أرضًا يكن لكِ سماءً).
فكيف بعد إكرام الله لنا بدين الإسلام؟!
(٦) استثناء بعض السادة الفقهاء لبعض النساء من وجوب الخدمة لزوجها باعتبار أن (مثلها لا تخدم وذلك لوضعها في بيت أبيها قبل الزواج أو لمكانة أسرتها) عملًا بالعرف، وأن الشرع قد اعتبره في بعض الأحكام و… لا أراه سديدًا ولا دليل عليه، بل هو مصادم لما تقدم في أدلة الوجوب الكثيرة والمتنوعة التي لا يقوى العرف على مقاومتها، والتي علقت الحكم برضا الزوج عنها في حدود استطاعتها.
وللعمل بالعرف شروط معتبرة قررها العلماء منها خلو المسألة من نص خاص بها، مع ما في هذا القول من تأثير على استقرار البيت ومودته.
ولو كان العرف معتبرًا في هذه المسألة لكانت السيدة الكريمة فاطمة بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام أولى من غيرها؛ فهي قرشية هاشمية، بنت الرسول (رئيس الدولة وقتها) وبضعة منه، وما يغضبها يغضبه!! ومناقبها لا تعد ولا تحصى.
وأشرف زوجة اليوم لا تساوي ظفر أم الحسن والحسين وسيدة نساء أهل الجنة، ومع كل هذه المناقب العالية الرفيعة كانت تخدم زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين وتتعب في ذلك، وطلبت خادمًا فلم تُجَبْ لطلبها وأُرشدت للذكر من تسبيح وتحميد و…
فأتمنى من الجميع تأمل هذا جيدًا.
(٧) إضافة لما تقدم أقول:
الأعراف تتغير دومًا ولا تستقر على حال، وأغلب بنات مجتمعنا الخليجي اليوم لا يدخلن المطابخ ولا يغسلن ولا يطبخن و… في بيوت آبائهنّ!!
فهل نستثنيهنّ؟!
وما البديل بعد ذلك؟!
والمفاسد الشرعية والاجتماعية الواقعية للخدم في زماننا اليوم كثيرة مع وجود زوجة تخدم بيتها وزوجها وتشرف على عمل الخادمة فكيف لو كانت لا تتابع بيتها ولا تخدم زوجها، وجلُّ تفكيرها وكل اهتماماتها المصيرية في ماركة ملابسها ومفاتيح سيارتها وطلاء أظفارها وطول كعب رجلها والجديد في عالم الأزياء والماركات والموبايلات و… مع إهمال أبنائها في دينهم ودنياهم ودراستهم وأخلاقهم وهويتهم وتركهم للخادمات والمربيات؟!
مثل هذه الزوجة نقرأ على بيتها السلام كما يقال، والله سائلها وسائل زوجها المحترم يوم القيامة!!
(٨) التي لا تريد خدمة زوجها وتتعالى عنها وتتأفف ولا تقبل تطبيق هذا الحكم في حالة أمره لها فهي (حرة في رغبتها وقرارها)، وأنصحها بأن توفر على نفسها تحمل تبعات السؤال يوم القيامة والمشاكل الزوجية المترتبة على عصيانها ونشوزها وتبقى في بيت والدها معززة مكرمة تتلوى من حرقة الوحدة وآلام العزوبية التي تذوقها غير المتزوجات، وذلك لأنها لو تزوجت فقد يأمرها زوجها بخدمته وبالتالي وجبت عليها طاعته وتحقيق رضاه ديانةً كما تقدم، فاستريحي أخيتي من اناء كل ذلك وريّحي غيرك هداك الله لطاعته ومرضاته.
(٩) خدمة المرأة لوالديها وإخوتها وزوجها وضيوف بيتها وأقاربها وصديقاتها وأهل الفضل و… ليست عيبًا ولا منقصةً تتأفف منه المرأة المسلمة التي لا تزال على دينها وفطرتها السليمة بل هو والله العظيم شرف ترتفع به عند ربها، يثيبها عليه، وفضلٌ واجبٌ تطوق به عنق زوجها وأنموذجٌ رائع لبناتها ومن حولها.
ولا عليك أيتها الزوجة المسلمة المعتزة بدينها من النساء المتمردات على دينهنّ أولًا ثم على أزواجهنّ ثانيًا، فهنّ فاشلات في حياتهنّ غالبًا، والزوج يحب المرأة الودودة المطيعة المتواضعة، ويلعن – ولو في نفسه أو من وراء زوجته – من كانت غير ذلك.
(١٠) وقوع الخلاف من بعض الفقهاء وقولهم بعدم وجوب الخدمة لزوجها ليس حجةً شرعيةً في ذاتها (ولا يشترط في الحق والصواب أن يكون دومًا أو غالبًا جمهوريًا، هذا لو سلمنا فرضًا وجدلًا أنه قول الجمهور).
والأهم من هذا في حق المرأة أنه ليس عذرًا كذلك للزوجة العاقلة لتغامر وتخاطر وتجازف برضا ربها وزوجها وتدمير حياتها الأسرية أو تنغيصها، (ورضا الله على الزوجة في رضا زوجها عنها).
والفقيه باجتهاده له أجر لو أخطأ وأجران لو أنه أصاب، لكنك كزوجة ستسألين عن رضا زوجك وليس عن قول فلان وفلان!
والزوجة الفاضلة التي لم تتلوث فطرتها باللوثات الشرقية والغربية من ههنا وههنا تفرح وتسعد وتفتخر بخدمتها لزوجها وتوددها وتقربها له بحسن التبعل معه دينًا تتقرب به لله ويثيبها ويشكرها عليه، ولطالما رأينا من أخواتنا الفاضلات نماذج مشرقة في هذا الباب وغيره.
وفي الختام:
أتمنى أكون قد أفدت أخواتي المتزوجات في هذه المسألة، وقربت لهنّ أهم الأفكار فيها بهدوء وروية وعلم ومنطق سليم ولغة واضحة، بعيدًا عن التشنج والمزاجية والتعصب والهوى وغيرها من الآفات.
فما كان من حق وصواب فهو من الله وحده، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، وديني بريءٌ منه.
ويا مرحبًا بكل أخ أو أخت ناقد أو ناصح لي بعلم وحلم وأدب وبرهان.
علمًا أنني لم أكتب تغريدات (خدمة المرأة لزوجها) لهذه الأيام والأحداث ((فقط)) بل هي لكل الأيام القادمة ومختلف البلاد وجميع الأزواج والزوجات، لا أطلب فيها رضا أحد عني، ولا حرصًا في مناكفة أو مغايظة أحد، فلستُ بحمد الله من هذا النوع.
وسيسألني ربي يوم القيامة عما سطره قلمي أو نطق به لساني، لذا وجب عليَّ أن أستحضر مرضاته وحده لا شريك له.
وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه،
وضاح بن سعيد الشعبي
فبراير ٢٠١٤ ميلادي
@w_shaebi
